كمال داوود: استهلكت الكثير من الوقت في الجدل والآن أريد أن أكتُب
استضافت مكتبة Point Virgule بالشراقة (الجزائر)، ظهيرة اليوم الاثنين، الكاتب والصحفي كمال داوود، في لقاء أدبي حول روايته الأخيرة Zabor (منشورات البرزخ-2017)؛ الجمهور الذي غصّت به المكتبة، رغم مساحتها الكبيرة نسبياً، كان أغلبه من المتقاعدين الستينيين المتحمّسين لملاقاة أحد أشهر الكتاب الجزائريين في الوقت الحالي؛ هم الذين جاؤوا ليسمعوا كمال داوود، الذي يجرّ خلفه 19 عاماً من الكتابة الصحفية، وثلاث سنوات من الشهرة العالمية بعد روايته “ميرسو، تحقيق مُضاد” (نفس الدار، 2013) وحُزمة من الخرجات الإعلامية المُثيرة للجدل.
وبعد كلمة قصيرة قال فيها الكاتب، الذي تأخر ساعة بسبب الزحام، أنه سعيد بحضوره وبالجمهور الذي جاء لـ”يلمس” الكاتب ويتقرّب منه ويُحاوره؛ بعد هذا بدأت الأسئلة. وكما كان متوقعاً عاد الحضور في البداية إلى تصريحات ومقالات كمال داوود في أسئلتهم لا إلى رواياته بالتحديد. يعرف كمال داوود أن شُهرته كصحفي مثير للجدل تسبقه إلى كل مكان، لذلك حاول أن يُسيّر الأسئلة حول الهوية والتعددية اللغوية والسياسة على قدر ما استطاع.
لكن المُلاحظ هذه المرّة هو أنّ الكثير من المواقف تغيّرت منذ بداية شهرته –أو على الأقل هذا ما قاله داخل مكتبة بعيدة عن أضواء البلاتوهات والصحافة العالمية- حيث أنّه عاد إلى مسألة اللغات، مُشدّداً على أنه ليس خبيراً في اللسانيات ولكنه يملك رأياً ليقوله وهو التالي: “لقد الكثير من الوقت في جدل اللغات وارتباطها بالهوية في الجزائر، هنالك مشاكل حول اللغة أكثر مما كتبنا بها، وهنا أنا أتحدث عن اللغة عموماً. الفرنسية لم يهدِها لي أحد، بل انتزعتها وامتلكتها كلمة كلمة، حتى أنا استهلكت الكثير من الوقت في الجدل عموماً، تعِبت والآن أريد أن أكتب، هذا ما يهُم.”
الأسئلة حول “زابور” (تصدر ترجمتها العربية هذه السنة) دارت حول تقارب الكاتب مع شخصيته التي تعيش في قرية صغيرة وتكتبُ “ضد الموت”، واقعية سحرية جزائرية قد نجد بعضاً منها في كُتب أمين الزاوي أو “1001 من الحنين” لبوجدرة، لكن داوود دفع بالأضداد والحدود إلى أقصاها في روايته هذه، ورغم هذا لم تجعل “زابور” النُقّاد يتحدثون عنها بنفس حماس “ميرسو” (مع الإشارة إلى أن هذه الأخيرة أخذت سنة كاملة حتى اشتهرت عالمياً بعد أن أعادت طبعها الدار الفرنسية “أكت سود”)؛ لكن داوود بدا مُتصالحاً مع التقارب الذي يجمعه ببطله، حيث كرّر أكثر من مرّة بأنّه فخور بأنّه وصل إلى “هنا” اليوم، هو ابن العائلة البسيطة في قرية صغيرة بغرب البلاد، هو الذي كتب لأنه لم يكُن يملك كُتباً، والكتابة بالنسبة له هي بذرة الخلود الوحيدة.
حاول داوود خلال اللقاء ذِكر بعض من ألهموه في كتابته، والفروق بين الخيال (fiction) والواقع، وحياة الكاتب نفسه، لكن أغلب الأسئلة كانت تعود به إلى السياسة والتاريخ، خاصة مسألة ما بعد الكولونيالية والتعامل مع ذاكرة الاستعمار، حيث قال داوود بأنه ابن الجزائر المستقلة، لم يعرف الحرب وهنالك شهداء من جيل والده ماتوا في هذه الحرب كي يعيش هو، لكنه يريد أن يتقدّم إلى الأمام وأن يكون مثالا وقُدوة لأولاده وجيلهم، لا أن يتخلّص من مسؤوليته بالغرق في ثنائية الشمال والجنوب وإهمال الحاضر والمستقبل “وجودي في الجزائر أكبر دليل على هذا، لأني أريد أن أثبِت أن النجاح لا يترافق دائماً مع ترك البلاد والهجرة”؛ ليضيف بعدها بخصوص موضوع الذاكرة: “ولا يجب علينا تحرير الذاكرة فقط، بل هنالك الجسد أيضاً، الجسد حزين في الجزائر، أذهبوا إلى الشواطئ وسترَون، الجسد هو مسألة فردية، نفوز بها كاملاً عند الولادة ونخسره كاملاً عند الموت وعلينا ألا نحرمه وألا نقمعه.” ليُصفق عليه الحاضرون المتدّثرون في معاطفهم الشتوية الثقيلة.
في الأخير تحدّث داوود عن مشاريعه القادمة، حيث أنه يشتغل على مخطوط كتاب جديد حول رسام جزائري لم يُفصح عن اسمه، ومن جهة أخرى يُحضّر نفسه لجولة عالمية، تجمع المحاضرات والمقابلات الصحفية، حيث سيُروّج فيها لترجمات “زابور”؛ مُكرّراً أن مجال الكتاب والأدب في الجزائر صار ضرباً من النضال وليس صناعة مُتكاملة ومُربحة كما هو الحال في بلدان أخرى، لذلك هو يهنئ كل من حضروا ودعموا سلسلة العُمال من المطبعة حتى المكتبة؛ لينتهي اللقاء ببيع بالتوقيع، وانتظارٍ لما ستحمله الأعمال القادمة لهذا الكاتب الذي يُريد المراهنة على “الخلود”.