الحراك ..مدرسة الإعلام الجديد
من قدر الظواهر الكبيرة أن تأسس لتغيرات جذرية، لا تلمحُ من غير تمعّن و لا ُتتقبل دون تغيّر ذهني،جرفت سيول الحراك سياسي الصدفة، و نقابات اللهفة و صحافي الغرفة، و كانت الحسرة كبيرة لمن يشاهد واقع الإعلام من تدهور بعنوان المذلة و الإنبطاح للخبزة، لم يكتفي الحراك بفضح هؤلاء و رميهم في مزبلة التاريخ، لكنهُ أعاد إنتاج قاعدة لنوع آخر من الإعلام متحرر مهنيًا، متحكم تكنولوجيا و الأفضل من كلّ ذلك متجذّر أخلاقياً.
يتواجدون في كل زمن و في كل مكان، تماما مثلما يقتضيه مجتمع المعرفة، في جمعة الجماعة الشعبية، و ثلاثاء الطلبة، و الآن في سبت الصمود و التصعيد، متنقلون حيث الحدث، من ولاية لأخرى، بين المحاكم و السجون و الشوارع، محفظة على الكتف، هاتف بين اليدين، و سماعات في الأذن، و أحيانًا يتقاسمون سلالم أو يصعدون فوق الشرفات، يكتبون الأخبار في وقتها، يوزعونها على جميع الدعامات الإلكترونية، ينقلون المباشر عبر صفحات الفايسبوك، و يغيرون الأوضاع بتغريدة عصور ضعيف يخيفُ منظومة القمع كاملة، يشاهدهم الآلاف و الملايين و يؤثرون على تشكيل الوعي الجمعي، مبتعدين عن سلطة السياسة كما سلطة المال، هؤلاء تجسيد حقيقي للحق في الإتصال كحق من حقوق الإنسان، ترجمة حرفية لميثاق ميونخ لواجبات الصحفيين في ضرورة الوقوف مع الحدث و مع الجماهير الصانعة للحدث، بصورة واحدة، تعليق و احد، تقاسم متعدد للخبر، هزموا فيالق الحمقى من صحفي الأقدمية الذين يسترزقون بتقديس الروايات الرسمية و تدنيس قدسية الخبر، من صحفي الإنتهازية الذين يعملون على التموقع بالدعاية لسلطان اليوم، هؤلاء أسقطوا الحجة على القنوات الخاصة التي أثبتت أنها فعلًا لا قانونا فقط قنوات أجنبية بما أنها تعتمد التعتيم الداخلي مقابل التحويل الخارجي لأموال الإشهار، و لأنها كونت نجوما من الورق المطوي على أيدي مسؤولين يشجعونهم على النهيق يوميًا على المباشر مقابل راتب المذلة، و ينتظرون مزايا الإدارة في السكن أو تجار البازار لشراء سيارة، و عوض أن يتحرروا يربطون حريتهم بالشعوب، فإذا بالشعب تحرر هم يتحولون من عبيد لهذا إلى عبيد لذاك، صحفيو الحراك فضحوا كذلك صحافة الإبتزاز باسم الحرية و المواطنة التي حققت الشهرة بمعادات السلطة السياسية جهرا و بإبتزاز الأوليغارشية الفاسدة ليلاً و التموقع مع قطب ضد حسب المصلحة .
هؤلاء الصحفيون الذين تكونوا من مدرسة الحراك للإعلام الحديث، قلّة قليلة لأنّ مدرسة الحراك مثل كبريات المدارس لا تكترث للعدد قدر إختيارها للنوعية ،لمستوى الوعي و روح النقد، للتحكم في اللغات دون مركب نقص و لترويض التكنولوجيا من تصوير و تركيب و بث، هؤلاء ليسو من أجيال الهرم المقلوب الذين الذين كونهم أساتذة البذلات البنية و ربطات العنق الخضراء و القمصان الملتوية، هؤلاء درسوا مقياس الأخلاق المهنية و قانون الإعلام الحقيقي لا تقنيات الدعاية في زمن الجاهلية.
هؤلاء هم خالد درارني، لمين مغنين، مصطفى بصطامي، بوزيد إشعلالن و جعفر خلوفي، كنزة خاطو و أمال محندي، نجوى، مجدة، أسماء، ليندة عبو و أخريات و آخرين، هؤلاء ليسو عناوين لنشر العنف و الكراهية عبر الفايسبوك، و لا عارضي أزياء في القنوات، هؤلاء أجمل ما ابتكر الحراك في الإعلام الحر و النزيه، هؤلاء خلف جاعوت و يفصح، هؤلاء عكس حمراوي حبيب شوقي و رحماني، هؤلاء صحافة جديدة لجزائر جديدة، مكانهم ليس السجن و الإعتقال بل الحرية و الإعتبار، إنما سجن التاريخ لصحافة الدعاية و الإشهار و الإبتزاز و تزوير الأخبار.
إليك خالد درارني، فخر الصحافة الحرة !
بقلم مالك بلقاسم أيوب